مرأة ومنوعات

كارثة صنعتها الأيدي البشرية: أغرب تسونامي من صنع بشري

عندما نسمع كلمة تسونامي، يتبادر إلى أذهاننا صور الأمواج العاتية التي تجتاح السواحل، ناشرةً الدمار والخوف. غالبًا ما تكون هذه الكوارث نتيجة لقوى طبيعية مثل الزلازل أو البراكين تحت سطح البحر. ولكن، في بعض الأحيان، يمكن أن يكون التسونامي من صنع البشر، ناتجًا عن خطأ كارثي أو قرار غير محسوب العواقب. في هذا المقال، سنتحدث عن واحدة من أغرب حالات تسونامي التي تسببت فيها الأيدي البشرية، وكيف أدى ذلك إلى دمار هائل.

تسونامي بحيرة فايسه – النمسا، 1963

في عام 1963، شهدت منطقة فايسه في شمال إيطاليا واحدة من أغرب الكوارث الطبيعية الناتجة عن التدخل البشري. كانت السلطات الإيطالية قد قررت بناء سد فاجونت (Vajont Dam)، الذي كان يعد في ذلك الوقت واحدًا من أعلى السدود في العالم، بهدف توليد الطاقة الكهرومائية والسيطرة على تدفق المياه في المنطقة.

لكن ما بدا كمشروع هندسي طموح تحول إلى كارثة مرعبة في ليلة 9 أكتوبر 1963، عندما تسببت الانهيارات الأرضية في البحيرة خلف السد في إحداث تسونامي مدمر.

كيف حدثت الكارثة؟

كان العلماء قد لاحظوا علامات على حركة في الجبل المجاور للسد، إلا أن التحذيرات لم تؤخذ على محمل الجد. في ليلة الكارثة، انهار جزء كبير من جبل مونتي توك المطل على بحيرة السد، مما أدى إلى سقوط نحو 260 مليون متر مكعب من الصخور والأتربة في الماء بشكل مفاجئ.

هذا الانهيار الأرضي الهائل خلق موجة تسونامي ضخمة، تجاوز ارتفاعها 250 مترًا، مما أدى إلى تدفق هائل للمياه نحو القرى المحيطة. ورغم بقاء السد نفسه صامدًا أمام قوة الانهيار، إلا أن المياه المتدفقة من فوقه جرفت كل شيء في طريقها، متسببة في مقتل أكثر من 2000 شخص وتدمير العديد من القرى.

أسباب فشل المشروع

كارثة سد فاجونت تمثل درسًا قاسيًا في الفشل الهندسي وعدم تقدير المخاطر البيئية. إذ أظهرت التحقيقات بعد الحادث أن السلطات تجاهلت العديد من التحذيرات الجيولوجية حول استقرار المنطقة المحيطة بالسد. هذا التجاهل كان له عواقب كارثية، حيث أدت الطبيعة المائية للتربة في المنطقة إلى تسريع عملية الانهيار، مما فاقم الوضع بشكل لم يكن أحد يتوقعه.

الأمر المثير في هذه الكارثة هو أنها لم تكن ناتجة عن الزلازل أو البراكين، بل كانت نتيجة قرار بشري خاطئ في بناء السد دون إجراء الدراسات الكافية عن استقرار التضاريس المحيطة.

تسونامي مالباسو – المكسيك، 1959

تعتبر كارثة سد مالباسو في المكسيك عام 1959 مثالًا آخر على تسونامي من صنع البشر. خلال عمليات بناء سد مالباسو على نهر غريجالفا، قررت الشركة المسؤولة عن المشروع تفجير جزء من الجبل لفتح طريق مياه للسد. ولكن نتيجة لهذا التفجير، انهارت كمية ضخمة من الصخور في النهر، مما تسبب في موجة ضخمة تدفقت نحو المناطق المحيطة.

تلك الموجة أدت إلى مقتل العديد من العمال الذين كانوا يعملون في الموقع، وإلحاق دمار كبير بالمعدات والمنشآت. وفي هذا الحالة أيضًا، كانت الكارثة نتيجة تقديرات خاطئة لمدى تأثير الانفجارات على استقرار الأرض والمياه المحيطة بالسد.

الدروس المستفادة من هذه الكوارث

التسونامي الناتج عن التدخل البشري، كما هو الحال في سد فاجونت ومالباسو، يظهر مدى خطورة عدم أخذ البيئة الجيولوجية بعين الاعتبار في المشاريع الكبرى. هناك بعض الدروس الأساسية التي يجب أن نتعلمها من هذه الأحداث:

  1. التحليل الجيولوجي الدقيق: لا يمكن تجاهل أهمية دراسة التضاريس والاستقرار الجيولوجي للمناطق المحيطة بالمشاريع الكبرى مثل السدود. أي إهمال في هذا الجانب يمكن أن يؤدي إلى كوارث لا يمكن التحكم بها.
  2. الاستماع إلى التحذيرات العلمية: في حالة سد فاجونت، كانت هناك تحذيرات من العلماء حول خطورة الوضع، ولكن تم تجاهلها. كان يمكن إنقاذ حياة آلاف الأشخاص إذا تم الاستجابة لهذه التحذيرات في الوقت المناسب.
  3. التخطيط للطوارئ: يجب أن تكون هناك خطط واضحة ومجهزة للتعامل مع الحوادث غير المتوقعة التي قد تحدث في المشاريع الكبيرة. في كثير من الأحيان، يمكن أن يساعد التخطيط السليم في تقليل الأضرار ومنع الخسائر البشرية.

نهاية مأساوية ولكن مليئة بالعبر

تعد كوارث التسونامي من صنع البشر مثل كارثة سد فاجونت ومالباسو تذكيرًا صارخًا بأن الطبيعة يمكن أن تكون شديدة القسوة عندما لا يتم احترامها. البشر قد يمتلكون التكنولوجيا والقدرة على تنفيذ مشاريع ضخمة، ولكن يجب عليهم دائمًا أخذ العوامل الطبيعية في الحسبان والعمل بمسؤولية.

الطبيعة لديها طريقتها الخاصة في الرد على أي تدخل غير مدروس، ومع كل كارثة من هذا النوع، نتعلم أهمية التوازن بين الطموح البشري واحترام قوى الطبيعة التي لا يمكن السيطرة عليها تمامًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى