أخبار

كشف أسرار: قصة صعود أحمد الشرع إلى زعامة هيئة تحرير الشام

أحمد الشرع، المعروف بلقب “أبو محمد الجولاني“، هو أحد أبرز الشخصيات في التنظيمات الجهادية بسوريا، حيث تصدر مشهد زعامة هيئة تحرير الشام، التي تشكلت من اندماج فصائل عدة، أبرزها جبهة النصرة، التي كانت سابقًا فرع تنظيم القاعدة في سوريا.

النشأة والخلفية:

أحمد الشرع ولد في عام 1981 في منطقة الشحيل بمحافظة دير الزور، سوريا، ينتمي إلى عائلة متوسطة الحال، ودرس في جامعة دمشق قبل أن ينخرط في العمل المسلح، بدأ مسيرته الجهادية في العراق مع تنظيم القاعدة تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي، بعد اعتقاله من قبل القوات الأميركية في العراق، قضى فترة في السجون العراقية، حيث صقل خبراته التنظيمية.

تأثير البيئة المحلية والتجارب المبكرة على شخصية الجولاني

عاش أحمد الشرع في بيئة ريفية تقليدية بمنطقة الشحيل في محافظة دير الزور، وهي منطقة عرفت بمزيجها من العادات القبلية والتدين التقليدي، تأثرت طفولة الجولاني بشكل كبير بطبيعة المنطقة، التي كانت تشهد تحديات اجتماعية واقتصادية دفعت الكثير من الشباب للبحث عن أدوار قيادية في بيئات جديدة، الأسرة التي نشأ فيها الشرع كانت متوسطة الحال، معروفة بتمسكها بالتقاليد، لكنها لم تكن تمتلك خلفية سياسية بارزة.

التعليم المبكر للجولاني لم يكن مميزًا بشكل خاص، حيث التحق بالمدارس المحلية وأظهر ميلًا نحو العلوم الشرعية والدينية، لاحقًا، انتقل إلى دمشق للدراسة الجامعية، مما فتح أمامه آفاقًا جديدة وعرّفه على بيئة أكثر تعقيدًا سياسيًا واجتماعيًا، رغم أنه لم يكمل دراسته بشكل كامل، إلا أن هذه الفترة كانت بداية لتعميق وعيه السياسي والديني.

تزامن وجود الجولاني في دمشق مع انطلاق حرب العراق عام 2003، وهو ما شكّل نقطة تحول في مسار حياته، مثل العديد من الشباب العرب آنذاك، تأثر الجولاني بفكرة “الجهاد” التي اجتاحت المنطقة، حيث استجاب لدعوات الجهاد في العراق تحت قيادة أبو مصعب الزرقاوي، هذه الفترة كانت مرحلة أساسية لتكوينه العسكري والفكري، إذ تعلم فيها أساليب القتال وبناء التنظيمات السرية، ما صقل مهاراته القيادية لاحقًا.

تجربته في العراق لم تقتصر على الجبهة القتالية، بل شملت أيضًا فترات اعتقاله من قبل القوات الأميركية، قضى عدة سنوات في السجن، حيث التقى بقيادات بارزة في تنظيم القاعدة، هذه التجربة أسهمت في تطوير فهمه العميق لعمل التنظيمات الجهادية وأساليبها في كسب النفوذ والتخطيط الاستراتيجي، كانت السجون العراقية بمثابة “جامعات جهادية” لتبادل الأفكار وتطوير الخطط، وهو ما مكن الجولاني من بناء شبكة من العلاقات مع شخصيات مؤثرة ساعدته لاحقًا عند عودته إلى سوريا.

مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، وجد الجولاني فرصة سانحة لتطبيق ما تعلمه في العراق، عودته إلى سوريا تميزت بالتحضير لإنشاء تنظيم مسلح مستفيدًا من خبرته الطويلة وشبكاته الجهادية، انضمامه إلى جبهة النصرة كان الخطوة الأولى نحو تحقيق حلمه بقيادة تنظيم قوي في سوريا، تركيزه على استهداف النظام السوري واستقطاب المقاتلين المحليين جعله شخصية بارزة بسرعة، حيث أصبح ينظر إليه كأحد القادة الميدانيين الأكثر تأثيرًا.

هذه التجارب المبكرة لعبت دورًا كبيرًا في تشكيل شخصية الجولاني كقائد طموح، قادر على التكيف مع الظروف المتغيرة وتحقيق أهدافه وسط تعقيدات المشهد السوري، كما أظهرت قدرة على المزج بين العمل العسكري والخطط السياسية، وهو ما ساعده في الصعود السريع إلى زعامة هيئة تحرير الشام.

الجولاني

الصعود إلى الزعامة:

  1. العلاقة مع القاعدة:
    انضم الجولاني إلى جبهة النصرة بعد اندلاع الثورة السورية في 2011، وعمل تحت مظلة تنظيم القاعدة، كان يُعتبر ممثل القاعدة في سوريا حتى إعلان فك الارتباط في 2016.
  2. قيادة هيئة تحرير الشام:
    مع تطور الأحداث في سوريا وتصاعد الضغط الدولي، قاد الشرع عملية إعادة هيكلة جبهة النصرة إلى هيئة تحرير الشام في 2017، الهدف من هذه الخطوة كان تحسين صورة التنظيم دوليًا وفصله عن القاعدة، وهو ما أثار انتقادات من التيارات الجهادية الأخرى.
  3. تحديات القيادة:
    تولى الجولاني قيادة هيئة تحرير الشام وسط صراعات داخلية وخارجية، حيث واجه معارضة من فصائل أخرى مثل “حراس الدين”، بالإضافة إلى الضغوط الدولية والمنافسة على النفوذ في إدلب.

الأسرار وراء صعوده:

  • البراغماتية السياسية:
    أظهر الجولاني قدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة، سواء بفك ارتباطه عن القاعدة أو بتقديم نفسه كزعيم سياسي وليس مجرد قائد عسكري.
  • الدعم المحلي:
    ركزت هيئة تحرير الشام تحت قيادته على تقديم خدمات للسكان المحليين في إدلب، مما ساعده في الحفاظ على نفوذه.
  • إدارة الخلافات الداخلية:
    استطاع السيطرة على الانشقاقات داخل التنظيم من خلال توظيف قيادته الكاريزمية وخبرته في العمل التنظيمي.

الانتقادات والاتهامات:

رغم نجاحه في البقاء على رأس هيئة تحرير الشام، يواجه الجولاني اتهامات بارتكاب انتهاكات ضد معارضيه، بما في ذلك الاعتقالات التعسفية واستخدام القوة ضد الفصائل المنافسة، كما تعرض لانتقادات من المتشددين الذين اعتبروا فك ارتباطه عن القاعدة خيانة لأيديولوجيتهم.

ابو محمد الجولاني

هيكلية هيئة تحرير الشام ودورها في تعزيز نفوذ الجولاني

أحد العوامل الحاسمة وراء صعود أحمد الشرع كان قدرته على إعادة تشكيل هيئة تحرير الشام بشكل يعزز قبضته على القيادة، تحت إدارته، أصبحت الهيئة أكثر تنظيمًا، حيث أعاد توزيع الأدوار داخل الهيكل القيادي لضمان الولاء الشخصي له، تم تقسيم الهيئة إلى قطاعات عسكرية ومدنية تعمل بشكل شبه مستقل، ما ساهم في زيادة فعاليتها، بالإضافة إلى ذلك، اعتمد الجولاني على التكنوقراط من السكان المحليين والمقاتلين السابقين الذين يتمتعون بالكفاءة، لتولي مناصب مدنية، مما ساعد في تحسين صورة الهيئة وإدارة الموارد.

هذا التوجه التنظيمي كان له تأثير مزدوج؛ إذ ساهم في فرض السيطرة على المناطق التي تهيمن عليها الهيئة، ولكنه أيضًا أثار جدلاً واسعًا بشأن مركزية السلطة واستغلالها لتصفية الحسابات مع الفصائل المنافسة.

الدعم الدولي وتأثيره على مكانة الجولاني

في السنوات الأخيرة، بدأ الجولاني في محاولة تحسين علاقاته مع القوى الدولية، خاصةً بعد تصاعد الضغوط على إدلب من قبل روسيا والنظام السوري، حاول تقديم نفسه كحليف محتمل للغرب في محاربة الفصائل المتطرفة الأخرى مثل “داعش” و”حراس الدين”، هذه الاستراتيجية أثارت قلقًا واسعًا بين المقاتلين السابقين في هيئة تحرير الشام الذين اعتبروا هذا النهج انحرافًا عن المبادئ الجهادية الأساسية.

مع ذلك، لم تثمر محاولات الجولاني عن دعم واضح من الغرب، حيث لا تزال هيئة تحرير الشام مدرجة على قوائم الإرهاب، ومع ذلك، فإن إشاراته المتكررة إلى رفضه العمل مع التنظيمات المتشددة الأخرى وإصراره على “استقلال إدلب” قد أكسبته نوعًا من الحصانة الموقتة، حيث لم تشهد إدلب حملات دولية واسعة للإطاحة به.

التعامل مع السكان المحليين وأثره على بقائه في السلطة

تبنّى الجولاني استراتيجية مغايرة للقادة الجهاديين التقليديين، حيث ركز على كسب دعم السكان المحليين في إدلب، من خلال تقديم خدمات أساسية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية، نجحت هيئة تحرير الشام في تعزيز شرعيتها بين المواطنين. كما ساهمت “حكومة الإنقاذ” التي أنشأها في تقديم صورة منظمة عن الهيئة باعتبارها جهة حاكمة وليس مجرد جماعة مسلحة.

رغم ذلك، واجهت هذه الاستراتيجية انتقادات شديدة بسبب الضرائب المرتفعة التي فرضتها الهيئة لتمويل عملياتها العسكرية والإدارية، بالإضافة إلى ذلك، تعرّض السكان لانتهاكات عديدة شملت الاعتقالات التعسفية بحق معارضين للنظام الذي فرضته الهيئة في المناطق الخاضعة لسيطرتها.

الصراعات الداخلية وتوازن القوى في إدلب

بالتزامن مع محاولاته لتعزيز قبضته على السلطة، واجه الجولاني تحديات داخلية كبيرة، أبرزها الانشقاقات التي شهدتها هيئة تحرير الشام، فصائل مثل “حراس الدين” انشقت عن الهيئة اعتراضًا على فك الارتباط بتنظيم القاعدة، بالإضافة إلى ذلك، ظهرت صراعات على الموارد والنفوذ داخل الهيئة نفسها، ما أجبر الجولاني على اتخاذ قرارات صعبة للحفاظ على التماسك الداخلي.

عزز الجولاني قوته من خلال تصفية معارضيه أو إجبارهم على الانصياع باستخدام القوة، ومع ذلك، فإن هذه الصراعات الداخلية أثّرت على استقرار الهيئة وقدرتها على مواجهة التحديات الخارجية، حيث باتت إدلب عرضة لهجمات متكررة من قبل قوات النظام السوري وحلفائه.

بعد استعراض هذه الأبعاد المختلفة، يتضح أن صعود أحمد الشرع إلى زعامة هيئة تحرير الشام كان نتيجة مزيج من المهارات القيادية والبراغماتية السياسية، ولكن تحدياته لم تتوقف عند تحقيق الزعامة، بين الضغوط الدولية والصراعات الداخلية والتوترات مع السكان المحليين، يبقى مستقبل الجولاني وهيئة تحرير الشام رهينًا بالتوازن الدقيق بين هذه العوامل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى