
في صراعات الشرق الأوسط المستمرة، يتبادر السؤال إلى الأذهان بعد كل مواجهة بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل: من المنتصر؟ هذا السؤال ليس بسيطًا، فهو يتجاوز المفهوم العسكري التقليدي ليشمل الجوانب السياسية، الإعلامية، والاجتماعية، مع انتهاء جولات التصعيد الأخيرة، بدأت التحليلات تطرح أسئلة حول مكاسب الطرفين وخسائرهم، هل انتصرت المقاومة بالفعل؟ أم أن إسرائيل نجحت في تحقيق أهدافها؟
مفهوم الانتصار: اختلاف المعايير بين المقاومة وإسرائيل
المقاومة: البقاء والصمود كإنجاز
من وجهة نظر المقاومة، يعتبر الصمود أمام القوة العسكرية الإسرائيلية انتصارًا، في سياق الحرب غير المتكافئة، يعد استمرار المقاومة في إطلاق الصواريخ، والحفاظ على قوة الردع، إنجازًا كبيرًا، على الرغم من الدمار الذي لحق بالبنية التحتية في غزة، فإن المقاومة أثبتت قدرتها على تحدي إسرائيل واستنزافها اقتصاديًا وعسكريًا.
إسرائيل: تحقيق الردع هدف استراتيجي
أما بالنسبة لإسرائيل، فإن مفهوم الانتصار يرتبط بتحقيق الردع وتدمير قدرات المقاومة، إسرائيل تسعى دائمًا إلى منع المقاومة من تحسين قدراتها العسكرية والبقاء كقوة مهيمنة في المنطقة لذلك، تروج إسرائيل لعملياتها بأنها ضربات موجعة للمقاومة تقلل من تهديداتها.

دلائل الانتصار للمقاومة
الصمود العسكري رغم التفوق التكنولوجي الإسرائيلي
على الرغم من التفوق العسكري الإسرائيلي الواضح، بما في ذلك الأسلحة المتطورة ونظام القبة الحديدية، استطاعت المقاومة الفلسطينية أن تطلق آلاف الصواريخ نحو المدن الإسرائيلية، محدثة حالة من الذعر والشلل في الحياة اليومية.
تأثير المقاومة على الداخل الإسرائيلي
المقاومة لم تؤثر فقط على المستوى الميداني، بل امتد تأثيرها إلى الداخل الإسرائيلي، حيث أدى التصعيد الأخير إلى انقسامات سياسية داخلية، وطرح تساؤلات حول جدوى العمليات العسكرية الإسرائيلية المكلفة.
الإعلام كأداة لتعزيز النصر المعنوي
لعب الإعلام دورًا بارزًا في تسليط الضوء على الجرائم الإسرائيلية، مما ساهم في كسب تعاطف شعوب العالم مع القضية الفلسطينية، مشاهد الدمار في غزة، إلى جانب صمود أهلها، رسمت صورة واضحة لصراع غير متكافئ جعل المقاومة تبدو وكأنها الطرف المنتصر أخلاقيًا وإنسانيًا.
دلائل الانتصار لإسرائيل
التفوق العسكري والتحكم في التصعيد
من الناحية العسكرية، تمتلك إسرائيل أدوات تفوق كبيرة، مثل سلاح الجو المتقدم والتكنولوجيا العسكرية الحديثة، نجحت في استهداف مواقع حيوية في غزة وادعت أنها حققت أهدافها الاستراتيجية من العمليات.
الدعم الدولي المستمر
إسرائيل تتمتع بدعم سياسي واقتصادي قوي من الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، هذا الدعم يوفر لها الغطاء اللازم لمواصلة العمليات العسكرية دون الخوف من عقوبات دولية حقيقية.
إضعاف البنية التحتية للمقاومة
تسعى إسرائيل في كل مواجهة إلى تدمير الأنفاق، المستودعات، ومواقع الصواريخ، مما يُعتبر إنجازًا عسكريًا يقلل من قدرات المقاومة على المدى القصير.
التحديات أمام المقاومة وإسرائيل
التحديات أمام المقاومة
- الدمار الهائل في غزة: كل مواجهة تعني تدميرًا جديدًا للبنية التحتية، مما يزيد من معاناة السكان.
- الحصار المستمر: الحصار الإسرائيلي يضعف الاقتصاد الفلسطيني ويقلل من إمكانية تطوير المقاومة لقدراتها.
- الضغط السياسي الدولي: تتعرض المقاومة لضغوط من بعض الدول التي تسعى إلى فرض تسوية سلمية على حساب التنازلات الفلسطينية.
التحديات أمام إسرائيل
- الشرعية الدولية: الجرائم المرتكبة ضد المدنيين الفلسطينيين تضع إسرائيل في مواجهة انتقادات دولية.
- الداخل الإسرائيلي: استمرار الصراعات يؤدي إلى انقسامات سياسية واجتماعية داخل إسرائيل، مما يُضعف تماسكها الداخلي.
- الاستنزاف المالي والعسكري: العمليات العسكرية المتكررة تُكلف إسرائيل مليارات الدولارات وتستنزف مواردها.

المنظور الدولي للصراع
تغير المواقف الدولية
في السنوات الأخيرة، بدأت مواقف دولية تتغير تجاه القضية الفلسطينية، الاحتجاجات في أوروبا وأمريكا ضد العدوان على غزة تشير إلى تعاطف متزايد مع الفلسطينيين، من ناحية أخرى، يبقى الدعم الحكومي الغربي لإسرائيل قائمًا، مما يعكس توازنًا معقدًا في العلاقات الدولية.
دور الدول العربية والإسلامية
على الرغم من توقيع بعض الدول العربية اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل، فإن الشعوب العربية والإسلامية ما زالت تدعم المقاومة الفلسطينية، هذا الدعم الشعبي يلعب دورًا مهمًا في تعزيز شرعية المقاومة وموقفها الإقليمي.
من المنتصر في الصراع؟
الإجابة على هذا السؤال تعتمد على تعريف “الانتصار” إذا كان الانتصار يقاس بالمكاسب الميدانية الفورية، فقد يبدو أن إسرائيل تحقق أهدافها العسكرية أما إذا كان يقاس بالمعنويات، والبقاء، وكسب تعاطف الشعوب، فإن المقاومة تبدو وكأنها الطرف المنتصر.
الصراع بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل ليس فقط معركة عسكرية، بل هو معركة طويلة الأمد تتعلق بالحقوق الهوية، والوجود وبينما تستمر المواجهات، يبقى الشعب الفلسطيني رمزًا للصمود، والمقاومة عنوانًا للنضال من أجل الحرية.




